http://anapress.net/a/291054135534154
بجسمه النّحيل وصوته المتعب جلس إبراهيم على حجر يفوق أضعاف وزنه ليشرح لنا كيف يتعامل مع تلك الأحجار ويكسرها لبيعها، وجني ما يكاد لا يسدّ رمقه ورمق عائلته.
حاول إبراهيم ذو الـ 15 ربيعاً إقناعنا بأنّه أصبح رجلاً قادراً على تحمّل مسؤوليّات أسرته التي أصبح يعيلها بعد تقدّم والده بالسنّ، إلا أنّ ملامح الطفولة البادية على وجهه، ورنّة الحزن في صوته يفضحان حجم الأسى الذي يعانيه بسبب تدمير حلمه بأن يكون مدرّساً لمادّة التربية الرياضيّة، وأن يصنع مستقبلا لطالما حلم به.
"تركت المدرسة وأنا في الصفّ السادس".. هكذا بدأ إبراهيم يشرح حلمه الذي تحطّم على عتبات الواقع، بعد أن لجأ هو وعائلته للسكن في خيمة في إحدى مناطق ريف إدلب هرباً من قصف الطائرات الذي طال قريتهم الصغيرة.
ويتابع إبراهيم حديثه بأنّ تقدّم والده بالسنّ وزواج إخوته أجبراه على العمل لإعالة أهله الذين لم يتبقّ لهم معيل سواه، مما دفعه ذلك للخروج إلى العمل في أعمال العمارة وتكسير الأحجار ونقلها، فأصبح يخرج من المنزل مع بزوغ الشمس وحتّى غيابها.
"ننقل يوميّا أكثر من 2000 حجراً لا يقل وزن الحجرة الواحدة عن 50 كيلو غراماً، إنّه عمل متعب" يقول إبراهيم واصفاً طبيعة عمله التي ارهقته لكن لا مجال أمامه إلّا متابعة العمل لسدّ احتياجات أسرته، مما يضطّره لشراء أدوية ومسكّنات آلام بشكل يومي بقيمة 500 ليرة ياخذها من مردود عمله.
https://www.youtube.com/watch?v=PSHXCXl9ueY
آخرون كذلك
إبراهيم ليس هو الحالة الوحيدة في سوريا، فقد أكّدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" أن نحو 40 في المائة من إجمالي أطفال سوريا وي الداخل والخارج باتوا خارج مدارسهم نتيجة الحرب الجارية هناك.
بينما قال رئيس الحكومة السوريّة المؤقّتة الدكتور "جواد أبو حطب" إنّ عدد الأطفال في سنّ الدراسة في الداخل السوري أكثر من مليون ونصف طفل يتلقّى التعليم منهم 600 ألف طفل فقط.
يقول المختصّون أنّ ظاهرة عمالة الأطفال تترك آثاراً سلبيّة على الأطفال والمجتمع لاسيما الأطفال الذين يقومون بأعمال غير مؤهّلين جسديّا أو نفسيّا للقيام بها مؤكدين على أنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أصدرت في عام 1989 اتفاقية حقوق الطفل التي عرفت الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره وأكدت على ضرورة السعي لحماية الطفل من أداء أي عمل يرجح أن يكون خطرا أو يمثل إعاقة لتعليمه أو ضررا بصحته أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي.
الأطفال في القوانين الدّوليّة
يقول عميد كلية القانون في الأكاديمية الامريكية العربية للعلوم الإنسانية الدكتور "فضيل طلافحة" من خلال أحد أبحاثه إن قواعد القانون الدولي الإنساني تحرّم الاعتداء على المدنيين، فتلزم الأطراف المتعاقدة بضرورة اتخاذ التدابير المناسبة التي تجعل المدنيين بمعزل عن التأثر بالعمليات الحربية.
ويلاحظ ذلك في اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب عام 1949، والتي تعترف بحماية عامة للأطفال باعتبارهم أشخاصاً مدنيين لا يشاركون في الأعمال العدائية. وتعترف لهم أيضاً بحماية خاصة وردت في سبع عشرة مادة على الأقل. ولما كان البروتوكولان المؤرخان في عام 1977، والإضافيان لاتفاقيات جنيف لعام 1949، يمثلان تعبيراً عن التقدم الهام الحاصل للقانون الدولي الإنساني، فإنهما يمنحان الأطفال حماية خاصة ومتزايدة ضد آثار الأعمال العدائية.
وقد تأكد هذا الأمر مع تبني الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل في عام 1989، والتي شكلت منعطفاً حاسماً في تاريخ الطفولة، حيث أصبح ينظر إلى حقوق الطفل على أساس أنها حقوق إنسانية وعالمية لا يمكن التغاضي عنها.
يقول "إبراهيم" عندما ننهي بناء وننتقل لآخر نضطرّ للتوقّف عن العمل لمدّة يومين، أقوم خلالها بتكسير الأحجار وبيعها بمبلغ 100 ليرة سوريّة للحجر الواحد لكي أستطيع سدّ احتياجاتنا، فاليوم الذي لا أعمل فيه سننام جياع.
وهنا يبرز السؤال الأهم، هل تشمل القوانين الدّوليّة "إبراهيم" وباقي أطفال سوريا؟؟ أم أنّهم مستثنون وكتب عليهم أن تقتل تلك الطفولة؟