المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

أنس.. تحدى الإعاقة بسلاح العلم

 
   
12:00

http://anapress.net/a/233470846302893
1484
مشاهدة


أنس.. تحدى الإعاقة بسلاح العلم
أنس- أنا برس

حجم الخط:

كنت طالبًا في مرحلة الثانوية في العام 2011 عند اندلاع "الثورة السورية"، وكان لدي كباقي الشباب السوري اندفاع ثوري مع القيم والمبادئ المحقة التي طالب بها أبناء "الثورة السورية" ضمن حلقة من الوعي والإدراك للوصول بسوريا إلى دولة الحق والكرامة والحرية.. حاولت الاستمرار في تعليمي مع المطالبة بالحقوق التي اتفق عليها عموم "ثوار سوريا"، لم يحالفني الحظ ولم أوفق في السنة الدراسية؛ بسبب الظروف التي واجهتني والمصاعب التي ربما يعلمها الجميع من اضطهاد وتضييق من قبل نظام الأسد الحاكم في سوريا.

يقول ذلك الشاب السوري أنس أبو خالد، البالغ من العمر 25 عامًا، وهو من أبناء غوطة دمشق الشرقية لـ "أنا برس"، راويًا بدايات قصة إعاقته في زمنٍ الحرب، وذلك على هامش اليوم الدولي لذوي الإعاقة أو أصحاب الهمم كما يُطلق عليهم.

  بعد إصابتي واجهتني مصاعب كبيرة وقاسية خلال الثلاثة أشهر الأولى بصفة خاصة حتى وصلت لمرحلة بدأت بمحاولة العيش مع الواقع وخلق جو التحدي والقدرة على التقدم وتحقيق أهدافي
 

"توالت الأيام حتى دخلنا في العام 2012 حين ارتفعت وتيرة الأحداث.. حاولت أن أستكمل تعليمي فلم أستطع حينها بسبب حملات الاعتقال والتوتر التي تعرضنا لها كشباب من أبناء سوريا عموما وأبناء الغوطة بشكل خاص.. في ذلك الوقت الذي أرى فيه المخابرات وفرق المداهمة وعمليات الاعتقال من حولي كان يمنعني ذلك من القدرة على التركيز، وتدخل في ذاتي روح الثورة والمطالبة بالحقوق والحريات والمطالبة أكثر بإنهاء حالة الذل والهوان التي يمارسها نظام الأسد على أبناء شعبه عموما". (اقرأ/ي أيضًا: قهر الرجال.. نماذج أليمة في سوريا).

ويتابع أبو خالد روايته قائلًا: "مشاركتي بالحراك الثوري والمظاهرات السلمية كانت على رأس أعمالي ومن أولويات المهام التي أقوم بها.. كنت أتنقل بين المنطقة والأخرى، جدران وأزقة عين ترما وزملكا وحزة وغيرها من المناطق لو أن لها لسانًا لنطقت، فهي لم ولن تنسى أصواتنا عندما كنا ننادي بالإفراج عن المعتقلين والحرية وغيرها ولن تنسى أيضًا رد النظام والأفرع الأمنية علينا بالسلاح والضرب".

"المؤسف جدًا أن نظام الأسد أجبر الثوار على حمل السلاح بسبب ردوده العنيفة بقتل المدنيين المتظاهرين السلميين وأدخل عليها السلاح بحنكه وخبث منه بعد قتل المدنيين والأطفال والكثير من عمليات القنص والاعتقال على الحواجز وإلقاء الجثث في الطرقات..

التحوّل

شعارنا الأسمى عند كل مظاهرة كان عنوانه "الجيش والشعب إيد وحدة"، بينما كانت الأوامر العليا التي تلقها الجيش السوري هي إطلاق النار على الشعب.

كانت تلك المقدمات هي إرهاصات أو مقدمات الحدث الجلل الذي شهده على المستوى الشخصي، وهو حدث إصابته، ويروي أنس جانبًا مما حدث بقوله: "تعرضت للإصابة في العام 2015 عندما استهدف الطيران الحربي الغوطة الشرقية وكان ذلك اليوم من نصيب مدينتي زملكا، ليسقط أحد الصواريخ المتفجرة بالقرب من السوق الشعبي وكنت قريباً فدخلت شظية حديدية إلى العمود الفقري سببت لي مشكلة عصبية نتج عنها عدم القدرة على المشي لمدة عام كامل، بقيت خلالها مقعداً وأعاني من شلل نصفي خلال الفترة من العام 2015 وحتى بداية العام 2016".

"النقطة التي أحببت أن أشارك الجميع بها أن إحدى أمنياتي أو بمعنى آخر رغباتي التي لطالما حلمت بها في بداية الثورة السورية قبل إصابتي هي أن أصبح صحافيًا استطيع نقل كامل الأحداث.. كنت أشاهد على القنوات التلفزيونية مراسلين ومذيعين وكنت أتمنى أن اكون مثلهم.. بينما لم أحمل الجرأة على البدء بهذا الطريق لصعوبة الوصول إليه في سوريا، فتلك المهنة كانت تحتاج الكثير من الجهد الدراسي والتحصيل العلمي بخاصة فرع الصحافة الذي كان حكرًا على من لديه أقارب يحملون مناصب في النظام السوري ولا يمكن أن ننالها بسهولة"، على حد قوله. (اقرأ/ي أيضًا: مأساة طفلة سورية تُناشد العالم من أجل "العلاج").

مصاعب ومتاعب

ويتابع أنس: "الفترة الزمنية بعد إصابتي واجهتني مصاعب كبيرة وقاسية خلال الثلاثة أشهر الأولى حتى وصلت لمرحلة بدأت فيها في محاولة العيش مع الواقع وخلق جو التحدي والقدرة على التقدم وتحقيق أهدافي التي طالما حلمت بها.. بعد أربعة أشهر من إصابتي خطر لي أن أتابع دراستي من أجل الوصول لمرحلة جيدة، فأحضر لي أهلي الكتب الخاصة بالمرحلة الثانوية ودرستها من مكاني.. بالمرة الأولى لم أستطع بسبب تدهور الوضع الصحي وصعوبة المرحلة التي كنا نعيشها من حصار وقصف وفقدان الأحباب والأقارب".

"في العام 2016 بعد محاولات شديدة وإرادة كبيرة استطعت المشي رغم أن العديد من الأطباء عجزوا عن معالجتي أساسًا بسبب الحصار وعدم توافر مقومات العلاج وعدم قدرتي حتى على الذهاب لمراكز العلاج الفيزيائي أو تأمين مواد وأجهزة مناسبة لذلك.. خطوة تليها خطوة ويوم بعد الآخر استطعت المشي، فعادة فكرة الدراسة من جديد وسعيت نحو التقديم بالمرحلة الثانوية من اجل الحصول على الشهادة بمستوى يساعدني على دخول مجال الصحافة والإعلام".

 ثلاثة ملايين شخص أصيبوا في الحرب الدائرة في سوريا.. 1.5 مليون منهم "إعاقات دائمة"
  منظمة الصحة العالمية

"فعليا رغم أني كنت أتنقل على جهاز (الوكر) المساعد على المشي؛ سجلت في عام دراسي جديد.. درست في المنزل وعندما أجد نفسي بحالة صحية جيدة أخرج وأذهب للحضور في المدرسة بعض الحصص حسب القدرة.. أصدقائي في المدرسة عندما كنت أدخل المدرسة معهم ترتفع معنوياتهم عاليًا؛ لأنني رغم إصابتي لدي إصرار وعزيمة على القدوم وتحصيل العلم.. أحدهم المقصر في دراسته يلوم نفسه عندما يراني مصابًا وهو بحالة صحية جيدة.. تابعت باقي دراستي في المنزل حتى وصلنا للامتحانات واستطعت أن أقدم كامل الامتحانات على العكازين".

"نجحت في المرحلة الثانوية وكانت مدخلاً لأولى أمنياتي التي ناضلت من أجلها وحاولت مرارًا وتكرارًا تحصيلها مصابًا ومعافًا.. كانت الالتهابات ترافقني في دراستي والأدوية بجانب كتبي وآلامي أمام أفكاري.. من يعلم كيف كنا نعيش وكيف نأكل وكيف ندرس؟ البرد والجوع والقهر والألم والحصار والقصف والإصابات كلها أمام عيوني فضعطت على نفسي وسهرت ليلا برفقة كتبي، أحببت العلم وسلكت طريقه".

المفاجئة الكبرى التي لم يصدقها عقلي عندما بدأت البحث عن فرع مناسب أكمل تعليمي فيه في معاهد الغوطة الشرقية التي كانت متوفرة في ذلك الحين بإمكانات بسيطة؛ إحدى الأكاديميات التي كانت تحوي على فروع عديدة منها العلوم السياسية والإنجليزية كانت افتتحت فرعًا جديدًا هو (معهد الصحافة والإعلام) وكانت محصلتي أعلى من الطلب والشروط المرادة لدخول المعهد؛ فنظرت من حولي: "هل هذه حقيقة يتحقق فيها حلمي أم أني في حلم بعيد عن الحقيقة؟".

ويستطرد أنس: "فعلا دخلت فرع الصحافة والإعلام دون تردد.. كانت الأيام مليئة بالتحديات بسبب عدم قدرتي على التنقل بسهولة وبعد المسافة بين المعهد والمنزل إلا أنني واصلت التعليم والحضور في المعهد.. تعرضت كثيرًا للموت بغارات الطيران الحربي أثناء ذهابي وعودتي وأثناء وجودي حتى في المعهد، لكن لم أكن أبالي فأنا في دائرة حلمي وأهدافي.. الكثير من الأيام أغلقت الأكاديمية أبوابها بسبب القصف.. مخاطر كانت تودي بحياتي داخل الغوطة لعدم قدرتي على الهرب في حال حصول شيء أو اي طارئ".

ويقول: المواصلات كان من المستحيل تأمينها.. كنا نعيش في حقبة منعزلة عن العالم، فلا محروقات ولا كهرباء إلا وإن توفرت فهي بأسعار لا تصدق ولأعمال عسكرية محدودة أو أعمال طبية لعلاج المصابين وغيرها.. حاولت التسجيل بدورات تقوية تطويرية بعضها كانت قريبة من منزلي وبعضها الآخر بعيد لم أستطع حضورها؛ العوائق لا تنتهي لكن إرادتي كانت مستمرة.

فقد

"مع حلول العام 2017 في الشهر السابع منه تحديدًا، فقدتوالدي العزيز الذي طالما كان عونًا لي في أحزاني وآلامي.. غدر الطيران الحربي ألقى صواريخه الحاقدة هذه المرة على أعز وأغلى إنسان لي.. عزيمتي انهارت كثيرًا.. كنت حينها في فترة امتحانات في المعهد، أفكاري الأولى كانت أني لم أعد أريد الدراسة ولا العلم، لكن في الحقيقة هذا ما يحزن والدي أكثر فلم يكن العلم أمنيتي وحدي بل كان والدي مساعدي الأول على الاستمرار وكان مشجعًا ومحفزًا لي في كل خطواتي.. راجعت نفسي ونظرت بعين الأمل والتفاؤل، صبرت وتجاوزت حزني على فقدان والدي الذي كان أشد ألمًا من إصابتي".

ويستكمل أنس قائلًا: فترة زمنية قليلة لم تتجاوز الثلاثة أشهر ودعنا غاليًا آخر وهو زوج أختي، توالت المصائب والأحزان ولم يكن للعلم باب يدخل منه أو طريق يسلكه.. حقيقة الأمر إصراري وعزيمتي كانت أقوى من الأهوال التي وقعت بنا؛ فتقدمت للامتحان ونجحت في السنة الأولى لأنتقل إلى السنة الثانية أحمل في داخلي إصرارًا أكبر وعزيمة أقوى للوصول إلى أهدافي.

 والدتي كانت محبة للعلم كانت تدعوني له دون ملل تابعت معي ووقفت بجانبي حتى استطعت أن أصل لمراحل كنت اتصورها من الخيال
 

"وللأسف مرت أيام قاسية جدًا وأهالي الغوطة في العام 2018 منذ بدايته حتى أواخر شباط (فبراير) عند عملية التهجير القسرية التي تعرضنا لها وأخرجنا نظام الأسد ومن  معه من ديارنا إلى الشمال السوري.. بعد فترة ليست بالقصيرة من عمليات الترتيب والهدوء والاستقرار والنزوح من مكان لآخر في إدلب حتى وجدنا المنزل والمكان المناسب للاستقرار حاولت التسجيل في إحدى الجامعات في مدينة إدلب استكمالا لعملية التعليم التي كنت بها في الغوطة ضمن معهد الصحافة والإعلام.. الجامعة الدولية للإنقاذ في مدينة معرة النعمان بريف إدلب كان لي بها نصيب بدخولها لتحقيق أحلامي رغم أنه من الممكن عدم توفر الاعتراف بها لكن أنا هدفي التحصيل العلمي والحصول على الفكر الصحيح لتطبيقه على الواقع.

ويقول إنه في رحلة التحدي التي خاضها والتي شهدت حلقة إصابته وفقدان أحبابه "كانت عائلتي سندي وعوني.. والدتي وإخوتي ووالدي قبل وداعه.. والدتي كانت محبة للعلم كانت تدعوني له دون ملل تابعت معي ووقفت بجانبي حتى استطعت أن أصل لمراحل كنت اتصورها من الخيال وتحولت لحقيقة رغم إصابتي وحاجتي التي كانت خاصة جدا بسبب الإصابة التي أعطاني حاجات خاصة وارغمتني على البقاء في المنزل لفترات طويلة". 

"شكري وحبي وامتناني الكامل لكل من كان عوناً وسنداً لي في دراستي وأعمالي أثناء إصابتي في منزلي وخارجه، أشكر عائلتي بالكامل والداي وإخوتي وأذكر منهم شقيق الروح أخي الغالي (أبو معاذ) وأقاربي وأعمامي الذي كان لهم فضل كبير في تحفيزي وأخص بالشكر اصدقائي في معهد الصحافة والإعلام الذين لم يتهاونوا في الوقوف بجانبي في كل اللحظات الصعبة، ولن أنسى الفضل الكبير لأساتذتي أيضاً ومواقفهم المشرفة في رفع الهمم والاهتمام الواسع في إيصال المعلومة".

شهادة

الشاب سامر جميل، وهو كان زميلًا لأنس في معهد الصحافة والإعلام في غوطة دمشق، قال لـ "أنا برس" إن "مجمل ما رأيناه في زميلنا أنس من عزيمة وإصرار وتحدٍ للواقع ومحبة للعلم لا يمكن أن يحصى، في البرد والشتاء يدخل قاعة الصف على عكازاته، يستمع للدرس بعناية، يهتم بعلمه ودروسه، يحمل من الأخلاق وحب الآخرين ما لم تجده في كثيرين، كان لنا مصدرا في التقدم والاجتهاد، كنا ننظر لأنفسنا مقصرين عند رؤيته متقدما مجتهدا رغم إصابته ومعاناته، كان يتألم في بعض الأحيان لكن دون أن يظهر ذلك فالهدف أسمى واعلى وأغلى".




كلمات مفتاحية