المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

الحرب على الآثار في سوريا.. أبرز المعالم التي غيبتها المعارك

 
   
19:19

http://anapress.net/a/167075484208373
1214
مشاهدة



حجم الخط:

 من آثار تدمر المدمرة

رصدت "أنا برس" في الجزء الأول من ملف خاص عن "الآثار السورية" في ظل آلة الحرب المشتعلة منذ العام 2011 وحتى الآن، حدود مسؤولية النظام السوري عما لحق بالآثار من تدمير أو نهب.

ويلقي هذا التقرير الضوء على وقائع الضرر التي لحقت بالآثار –من درعا لحلب- في سوريا وأبرز المعالم التي غيبتها المعارك التي شهدتها سوريا منذ العام 2011 سواء بفعل تنظيم "داعش" وما قام به من انتهاكات واسعة سواء السلب والنهب أو التخريب والتدمير أو البيع، أو من قبل فصائل مسلحة ومن قبل النظام.

تسببت الحرب الدائرة في سوريا بين أطراف النزاع بمختلف مسمياتهم في تدمير جزء لا يستهان به من إرثها الحضاري الذي طالما تغنّت به سوريا، انطلاقاً من مدينة الشمس "تدمر" وصولاً إلى قلاعها التي تصدّت على مرّ العصور لمختلف أنواع الغزوات في القرون الوسطى.

تختلف الأرقام والإحصائيات التي ترصد نسبة التدمير، لكنها تتفق في الأخير على كون الضرر طال كل المعالم الأثرية في سوريا، وأن مسألة الترميم تحتاج قرابة 5 مليارات دولار ولمدة خمس سنوات، وفق خبير الآثار الأكاديمي السوري الاستاذ الجامعي محمد عمر زيدان.

البداية من محافظة حمص وتحديداً من مدينة تدمر "لؤلؤة الصحراء" التي كان يمرّ خلالها طريق الحرير سابقاً، والمدرجة على قائمة التراث العالمي، والتي شهدت معاركًا عنيفة بين قوات الأسد من جهة ومقاتلي تنظيم الدولة "داعش" من جهة أخرى، أسفرت عن تدمير أجزاء واسعة من إرثها التاريخي بعدما تفنن "التنظيم" بتفجيرها حيث دمّر معبد بعل شمين الذي يبلغ عمره ما يقارب الألفي عام، فضلاً عن تفجير قوس النصر الذي يعود تاريخ بناءه لما يقارب الألف والـ 800 عام، والأعمدة الرومانية، والمدافن العامودية الشهرية. (اقرأ أيضًا: مسؤولية النظام عن تدمير آثار سوريا).

وبحسب ما أفاد به الكاتب أحمد القزعل (أحد أبناء مدينة تدمر رئيس مجلس قيادة الثورة في المدينة) في تصريحات لـ "أنا برس"، فإن "المدينة الأثرية تعرضت لأسوأ عدوان لها منذ آلاف السنيين بعد الحملة الهمجية التي شنتها قوات الأسد على من يوازيها بالإجرام تنظيم الدولة"، على حسب وصفه.

وشدد على أن "التنظيم دمر ما لم تستطع الوصول إليه قذائف وصواريخ الأسد، ليتركوا ورائهم مدينة مدمرة البنية التحتية، مهدمة الأثار التي طالما قصدها العديد من السائحين الذين اعتبروها قبلة لوجهاتهم السياحية" وفق تصريحاته.

آثار تدمر بعد التدمير

وأضاف القزعل: "تنظيم الدولة منع دخول المدنيين للمناطق الأثرية في فترة سيطرته على المدينة لأسباب عدّة، كان من أبرزها الحديث عن (الأصنام وحرمة تواجدها في المدينة)، وتعاملوا معها كأهداف يجوز تخريبها من قبل عناصرهم دون أي مسائلة.. كما أن قوات الأسد وسلاحهم لم يكن يستهدف بشكل مباشر المناطق الأثرية، بل كانوا يحاولون قدر المستطاع تفادي إسقاط صواريخهم للحفاظ على ما يمكن منها أمام الرأي العام في أقل تقدير"، على حد وصفه.

لم تكن الآثار وحدها من عانت في مدينة تدمر من بطش مقاتلي التنظيم فحسب؛ بل تطور المشهد ليطال العاملين في الإرث الحضاري وعلماء الأثار -بحسب القزعل- والذي لفت إلى أنه بعد أن قاموا باعتقال أحد أبرز علماء الأثار في المدينة خالد الأسعد وفصلوا رأسه عن جسده وصلبوه على أحد اعمدة الإنارة وسط ساحة المدينة؛ والتهمة أنه "مدير الأصنام في مدينة تدمر" كما يقولون.

والأسعد كان من أبرز المترجمين العرب للنصوص الآرامية، وحاز على عدّة أوسمة من الرؤساء العرب والأفريقيين، فضلاً عن كونه أحد أكثر المتعاونين مع البعثات الأجنبية التي كانت تزور سوريا.

في الجهة المقابلة لعروس الصحراء استنجدت قلعة الحصن أو كما يحلو للفرنسيين تسميتها بـ "قلعة الفرسان" غرب مدينة حمص من واقع حالها المرير خلال النصف الثاني من العام 2013 عندما لجأ إليها البعض من كتائب المعارضة المتواجدة في الريف الغربي لمدينة حمص، ما دفع قوات الأسد لصب جام غضبها على أسوار الحصن الذي وقف شامخاً خلال فترات حروب الصلبيبن والعرب، لتنكسر إرادته بعد آلاف السنوات أمام سلاح لم يعتد على التصدي له من قبل طائرات الأسد، ما تسبب في تدمير أجزاء مهمة من جداره الجنوبي والشرقي، فضلاً عن حدوث أضرار في ساحة الفرسان والكنيسة والجامع المتواجدون ضمن القلعة، حسبما يقول.

من آثار تدمر بعد التدمير

وبعد تمكن قوات الأسد من فرض سيطرتها على القلعة وإخراج مقاتلي المعارضة بموجب اتفاق سابق بدأت إحدى البعثات الهنغارية بالعمل على إحصاء الأضرار التي لحقت بها خلال المعارك من أجل البدء في ترميمها، ذلك بحسب تصريحات سابقة لمديرة القلعة نعيمة محرطم.

ووفق مراسل "أنا برس" في حمص، فقد تهدم أحد أبرز أبراج المراقبة في قلعة الحصن المعروف بـ "برج بنت الملك" الواقع على الجهة الجنوبية من القلعة والمواجه بشكل مباشر لمنطقة "وادي النصارى" الذي اتخذته قوات الأسد في العام 2013 أثناء معاركها كمرابض للمدفعية والدبابات التي استهدفته بشكل مباشر؛ ما أدى لانهيار أجزاء كبيرة منه.

لم تكن آلة الحرب والتدمير هي الوحيدة التي أدت لتدمير التراث والآثار في سوريا، فالفلتان الأمني وغياب الرقيب أدى بدوره لانتشار الفساد بين شريحة واسعة من ضعفاء النفوس كما يصفهم أبناء مدينة معرة حرمة، والذين أقدمو على إجراء عمليات حفر وتنقيب داخل المدن الأثرية كما هو واقع الحال في مدينة "أفاميا" التي عاث بها أولئك الأشخاص فسادًا، حيث "بلغ عدد حفر التنقيب في المدينة وحدها ما يزيد عن 5 آلاف حفرة علماً بأن المدينة تخضع لسيطرة قوات الأسد"، بحسب ما نشر موقع "عين المدينة" نقلاً عن تقرير لليونسكو.

وعلى الرغم من الحراك الشعبي الكبير الذي أطلقه المتظاهرون في مدينة حماة وسط سوريا ضد نظام الأسد، إلا أن المدينة لم يذكر بها أي نوع من أنواع التخريب لحين فرض قوات الأسد سيطرتهم الكاملة على المدينة، حيث تمكن مدير المتحف الوطني في حماة بتاريخ الرابع عشر من يوليو (تموز) لعام 2011 من سرقة تمثال للإله آرامي الذي يعود للقرن الثامن قبل الميلاد وهو مصنوع من البرونز ومغطى بالذهب. وهي حادثة شهيرة في سوريا.

وكذلك طالت عمليات السرقة كل من متحف تلّعفر الواقع على نهر الفرات شرق سوريا حيما اختفت بشكل مفاجئ ثمانية عشر دمية طينية تعود للقرن السابع عشر، فضلاً عن التنقيب من قبل لصوص الاثار السوريين والعراقيين بالقرب من مدينة ماري في البوكمال أوائل الثورة السوريسة، ونجحوا بإخراج قطع كثيرة تم تهريبها إلى كل من العراق وتركيا ولبنان، وتشير الإحصاءات إلى تعرّض أكثر من 12 متحفٍ للقصف والسرقة من بين 36 متحف في البلاد.

أما إدلب، فهي –وفق خبير الآثار الأكاديمي السوري الاستاذ الجامعي محمد عمر زيدان- فقد تعرضت لخراب واسع، علمًا بأن مدينة إدلب تملك ثلتي المواقع الأثرية في سوريا وخاصة ايبلا وتل مرديخ والبارة.

وبدوره، أفاد الناشط الإعلامي ماهر الحاج أحمد، في تصريحات لـ "أنا برس" بتعرض آثار سارجيلا الواقعة في مدينة البارة في جبل الزاوية، للدمار شبه الكامل بسبب القصف الذي تعرضت إليه من جهة، وتنقيب الأهالي بداخلها من جهة أخرى، فضلاً عن قيام بعضهم بنقل أحجار المدينة الأثرية إلى بعض القرى القريبة ما تسبب في تشتت المدينة وزوال معظم معالمها.

وأرجع أحمد السبب الرئيسي لتهدم هذه المدينة الرئيسية إلى الفوضى التي انتهجها المدنيون بعد غياب الرقابة والمحاسبة عنهم، مؤكداً أن القصف الذي تعرضت له المدينة لم يسبب هذا الدمار الذي نراه اليوم في القرية الأثرية. وأشار إلى أن العديد من المدنيين نجحوا في استخراج قطع أثرية بعد تنقيبهم المستمر وقاموا بإخراج تلك القطع وباعوها في السوق السوداء لبعض المهتمين بالقطع الأثرية مقابل مبالغ مالية طائلة.

إلى ذلك قال الناشط الإعلامي خلال حديثه مع "أنا برس" بأن القصف الذي استهدف مدينة حارم في ريف إدلب أدى لتهدم المدينة الأثرية بأسواقها وسراديبها الموجودة تحت الأرض، الأمر ذاته الذي حلّ بمتحف مدينة معرة النعمان الذي تدمر بشكل كامل خلال الأسبوع الماضي بعد سقوط أحد الصواريخ باسطه ما أدى لتهدم جدرانه بالكامل.

  القصف الذي استهدف مدينة حارم في ريف إدلب أدى لتهدم المدينة الأثرية بأسواقها وسراديبها الموجودة تحت الأرض
 الناشط ماهر حاج أحمد

وفي مدينة حلب تسبب تدمير أحد الأنفاق المتواجدة بقرب السور الأثري للقلعة المدرجة على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي من قبل فصائل المعارضة في الشهر السابع من العام 2015 لتضرر أجزاء واسعة من سورها الغربي، أثناء محاولتهم عرقلة تقدم قوات الأسد، التي تسببت بدورها بتدمير معالم أثرية داخل حارات حلب القديمة ولعل أهم ما تم تدميره مسجد حلب الأموي الذي يعود بناءه للعام 1300سنة قبل الميلاد، وكذلك مدخل القلعة الذي تضرر مدخلها الرئيسي واحترقت معظم المتاجر القديمة المحيطة بها والتي يصل عددها لما يقارب الـ700  متجر بسبب القذائف التي انهالت عليها اثناء القتال بين فصائل المعارضة وقوات الأسد.

ومن المناطق التي تم محوها بشكل تام في مدينة حلب بسبب المعارك، غاب عن الوجود كل من جامع السلطانية والسراي الحكومي وزوال فندق الكارلتون الأثري بالكامل بعد تفجير المعارضة لأحد الأنفاق في أسفله، حيث كانت تتخذه قوات الأسد كنقطة تجمع عسكرية. ويعود بناء الفندق للقرن التاسع عشر حيث كان يعتبر من أكبر المشافي انذاك.

وبالانتقال إلى أقصى جنوب سوريا، فقد وجد الكثير من المدنيين في الكنوز الباطنية لمدينة بصرى الشام ضالتهم بعد أن بات معظم الشباب عاطلين عن العمل، فبدأت مغامرات البحث عن الكنوز الثمينة في كل من تل الأشعري الذي تعود أثاره إلى فترة ما قبل العصور الوسطى، وكذلك في منطقة تلول بيت كار وأم حوران والطيبة المعروفة بغناها الأثري القديم.

من جهته أفاد رئيس أثار درعا محمد خير نصرالله خلال لقاء صحفي مع صحيفة الوطن عن تضرر معالم اثرية بسبب التنقيب كما هو واقع الحال في كنيسة مارجرجيوس وكنسية باخوس، وتضرر أجزاء من سرير بنت الملك، ومبرك الناقة الأثري، دون وجود أي جهة تحاسب أولئك الشباب الذين لم يكن فعلهم بأقل من قذائف الأسد وصواريخه التي أتت على أجزاء واسعة من التراث السوري.