المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

القصة الأولى: "شهيد" في صفوف النظام.. الموتُ مُر يا عامر!

 
   
21:25

http://anapress.net/a/188556837719251
836
مشاهدة


القصة الأولى: "شهيد" في صفوف النظام.. الموتُ مُر يا عامر!
صورة تعبيرية- أرشيفية

حجم الخط:

(هذه القصة جزء من سلسلة قصص يروي أصحابها وقائع فقدان رفاقهم خلال سنوات الحرب.. للإطلاع على الملف الرئيسي كاملًا: "فقدت رفقاتي.. وهذه قصتي")

يا أصدقاء!

لشدّ ما أخشى نهاية الطريق

وشدّ ما أخشى تحيّة المساء

"إلى اللّقاء"

أليمة "إلى اللّقاء" و "اصبحوا بخير!"

وكلّ ألفاظ الوداع مرة

والموت مرّ

وكلّ شيء يسرق الإنسان من إنسان!*

الموتُ مُرٌ يا عامر.. تتداعي أمامي الآن صورنا بينما كنا نلهو ونلعب، نرسم أحلامًا تتجاوز المسافات والحدود والأزمنة.. كنا صغارًا تسبقنا طموحاتنا إلى عوالم الكبار، فيغدو الزمن بالنسبة لنا ثقيلًا مملًا بطيئًا عندما كان يبقينا في دائرة "العيال" التي لا تليق وأحلامنا الكبرى وتطلعاتنا الممزوجة بخيالات الطفولة وتصورات العالم الأفلاطوني الذي ظننا أننا قادرون على صنعه وتغيير الواقع.. لم ندرك يا عامر أننا كبرنا حقًا إلا عندما فجعنا الموت، أو بالأحرى فجعني الموت فيكَ، فصرت بعدكَ كهلًا عجوزًا في مظهر شبابي خادع.. آهٍ يا عامر، في القلب غصّة. عقل مُنهكٌ وذهن شاردٌ وألم أُسكّنَه بأمل أن تكتحل عيناي بالعودة إلى نفس المكان الذي شهد أجمل سنوات العمر، لأذكرك هناك، واستعيد جانبًا من ذكريات الأمس، من "شقاوتنا" ومغامراتنا القديمة "لما كنا نمرق بشوارع حمص، وكانت الدنيا لا تساعنا.. لما كنا بنحلم ببكرا أمتى يجي لنطلع ونفوت سوا".

يروي إبراهيم محمد (شاب سوري مُقيم في مدينة غازي عنتاب التركية، ويبلغ من العمر 24 عامًا) قصة فقدانه صديق عمره في الحرب الدائرة في سوريا، وهي القصة التي رواها لـ "أنا برس" بتفاصيلها الكاملة على هامش اليوم العالمي للصداقة، مستذكرًا صديقه "عامر".. رفض إبراهيم الإفصاح عن اسم عامر الكامل "لأنو بصير خطر على إخواته" كما قال.. وإلى تفاصيل القصة على لسان الشاب إبراهيم:

كان عامر يقول: "ما بدي أروح للطرف ده أو ده؛ لأنه بالنهاية الاثنين عم بيظلموا الشعب.. ما أروح للنظام أو الجيش الحر"
 إبراهيم

عامر من مدينة حمص (وسط سوريا) تعرفت إليه حين كنت في الصف الرابع في مدرسة السلمية، كنا صغارًا وبدأت تلك العلاقة تكبر يومًا بعد يوم إلى أن تخرجنا وصرنا شبابًا.. عامر لم يكن صديقًا لي فحسب، تستطيع أن تقول إن علاقتنا هي أكبر وأقوى من مُجرد صداقة، لا أبالغ حينما أقول إنه "ربما كان أغلى لديّ من أهلي وإخوتي".

"كنا دايمًا نطلع نفوت سوا حتى كبرنا.. كانت علاقتنا أكتر من الصداقة والمدرسة"، حتى بعد أن تخرجنا ظلت تلك العلاقة على ما هي عليه من قوة وتوهج، لم تنل منها الأيام بل أضفنا إليها روابط عديدة مشتركة جعلتها صامدة في وجه كل التطورات والتغيرات التي تطرأ على شخصياتنا وحياة كل واحد منا الشخصية "ضلينا نطلع ونفوت ونروح ونيجي سوا نمرق ما في شيء يقف أمامنا أو يفرق بيناتنا".

عامر يَكُبرني بعامٍ دراسي واحد، على اعتبار أنني التحقت بالتعليم متأخرًا لعام، وبالتالي تخرج هو قبلي بعام، "ووقت ما صارت الأحداث في سوريا، الثورة السورية، أنا كنت عم بدرس، ولهيك أجلت الجيش يعني"، لكنّ عامر حينها كان قد تخرج وصار مطلوبًا للجيش!

"كنت أحسن أمر على الحواجز بشكل طبيعي.. ما حدا يوقفني؛ لأني أدرس ومأجل الجيش"، لكنّ الوضع بالنسبة لعامر كان مختلفًا تمامًا، كان وضعًا مؤلمًا ومرعبًا حقًا، فهو مُهدد في أي وقت بأن يتم إلقاء القبض عليه ومن ثمّ تجنيده بجيش النظام لأنه بلغ السن القانونية للتجنيد وليس لديه مانع (مثل استكمال التعليم الذي أنهاه بالفعل) يمكنه من التأجيل فترة أخرى، وبالتالي "عامر ما كان يحسن أبدًا يمر على حواجز النظام في تلك الفترة".

حبس اختياري

ظل عامر لمدة عام كامل حبيس منزله، يخشى الخروج إلا في أضيق حدود الحي، خشية أن يتعرض للقبض عليه وإلحاقه بصفوف النظام حينها وقت اشتدت الأحداث في سوريا. "كانت أمه (والدته) تُجبره إنه ما يطلع برات البيت خوفًا عليه.. كان ما يخرج برات البيت والحارة وما يروج أبدًا لحواجز النظام؛ لأنه بأول حاجز ما راح يتركوه، وبياخدوه على الجيش مباشرة.. حتى أمه نفسها ما صارت تطلع برات البيت والحي".

عامٌ كامل ولربما أكثر من عام ظل "عامر" حبيس تلك الحالة، شابٌ في ريعان شبابه يخشى الزج به في صفوف قوات النظام، فيجلس حبيسًا في منزله دون عمل ودون ممارسة حياته بشكل طبيعي كأي شاب.. كان عامر يُمني النفس بأن تنتهي أزمته وأن يستطيع حتى الهروب إلى خارج سوريا وأن يتزوج خطيبته التي لا يعرف مستقبله معها كيف سيكون في ظل ذلك الوضع المؤسف؛ كي لا يورط نفسه في مستنقع الدماء الذي أغرق البلد.. لكنه لم يستطع الخروج.. كان يفكر في الخروج إلى تركيا "لكنه ما أحسن الخروج أبدًا وضل على هذا الوضع لسنة وأكثر".

أدركت وقتها أن "عامر" ماضٍ –رغمًا عنه- في طريق اللاعودة.. سأفقد صاحب عُمري
  إبراهيم

طيلة العام الذي قضاه "عامر" حبيسًا بين جدران غرفته في منزله أو في الحي في أضيق الحدود، كنت أتردد عليه بصورة يومية، نتسامر ونتكلم ونستذكر أحلامنا الكبرى وذكرياتنا التي كان بوسعنا أن نصنع الكثير منها وأفضل إن كان "عامر" معي الآن، لكنه القدر.

كان عامر يقول لي في تلك الفترة إنه لا يستطيع الانضمام لجيش النظام السوري، ولا حتى أن ينشق ويعمل ضمن صفوف ما يسمى بـ "الجيش السوري الحر" أو "المعارضة المسلحة".. "ما بدي أروح للطرف ده أو ده؛ لأنه بالنهاية الاثنين عم بيظلموا الشعب.. ما أروح للنظام أو الجيش الحر" هكذا كان يقول لي عامر في تلك الفترة، وفي جلساتنا في منفاه الاختياري طيلة ذلك العام حينما كان يأتي الحديث على ذكر موقفه من التجنيد وأزمته آنذاك.

بعدها واتتني فرصة السفر إلى تركيا، فقررت الرحيل، أخبرت "عامر" قبلها بفترة كافية، كانت لحظات صعبة جدًا عليّ وعليه، فنحن رفاق العمر نفترق على وقع الأحداث التي يشهدها بلدنا. "عامر وقتها صار يحاول يقلل العلاقة بيني وبينه منشان نعرف نودّع بعضنا.. قالي إنه ما يحسن يودعني؛ لأن أحنا كنا كل يوم سوا وعنده بالبيت.. وهو ما يحسن يطلع معي على تركيا نظرًا لظروفه وموقفه من التجنيد".

بعدما سافرت إلى تركيا، كنت دائمًا ما أتواصل معه لأطمئن عليه عبر "الفايسبوك" في رسائلنا المتبادلة واسأله: "شلونك؟ شو أخبارك يا عامر؟" لمدة أشهر قليلة جدًا منذ سفري إلى تركيا كان هذا التواصل قائمًا، حتى جاءني الخبر الذي كان وقعه على قلبي ثقيلًا جدًا.

سأفقد صاحب عمري!

لقد داهم الجيش منزل "عامر" وتم ضبطه وإلحاقه بجيش النظام السوري! "عامر" الذي لم يكن يقبل بأن يكون مشاركًا في الأحداث لا من خلال النظام ولا من خلال المعارضة المسلحة أو الجيش الحر، ها هو يذهب رغمًا عنه للقتال في صفوف النظام، على رغم أنه كان يُحمِّل الطرفين مسؤولية ما تؤول إليه الأوضاع في سوريا، وموت الناس هنا وهناك!

أدركت وقتها أن "عامر" ماضٍ –رغمًا عنه- في طريق اللاعودة، سأفقد صاحب عُمري، رفيقي الذي ما كنت أتوقع أن أحيا بدونه يومًا، رفيقي الذي لم يكن لأي يوم يمر دون أن ألتقي به طعمًا أو معنى.

"لساتك عايش يا عامر؟!" كنت أمازحه عبر "الفايسبوك" برسائلي لأهون عليه ما هو فيه من ألم، لكنّه لم يكن يرد.. طيلة ثلاثة أشهر كاملة قضاها في جيش النظام السوري لم يكن يرد على رسائلي وانقطعت عني أخباره تمامًا؛ على اعتبار أنه لم يكن يستطيع الرد أو التواصل عبر الإنترنت أثناء وجوده بالجيش.

آخر رسالة أرسلتها له ولم يأتني أي رد منه، ولم يرها من الأساس، كنت أمازحه فيها: "لساتك عايش يا عامر؟"، إلى أن جاءني الرد بعد ثلاثة أشهر من التحاقه بالجيش.. لقد مات عامر!

آهٍ يا عامر..

إن في القلب غُصة..

كيف لي أن أمضي في طريق أنت لست فيه؟!

كيف لي أن أكمل حياتي بدونك؟

كنتُ أعيش على أمل أن ألقاك بتركيا أو حتى أن تعود سوريا لأعود وألقاك هناك.. لقد انقطع الأمل!

سأحمل يا رفيقي أحلامنا وآمالنا وتصوراتنا الكبرى لخلق عالم سعيد وحدي!

كان ذلك في يومٍ "غابر" فتحت "الفايسبوك" متصفحًا الأخبار الميدانية والسياسية التي ينشرها الناس عبر الموقع، لتصدمني تدوينة كتبتها خطيبة عامر: "انتقل إلى رحمة الله تعالى الشهيد عامر فلان الفلاني!".

"بعد أن أجي الجيش في مداهمة أخدوه من البيت، ضل عامر ثلاثة أشهر في الجيش وتوفى هناك وهو يقاتل في صفوف النظام.. الله يرحمه".. كان عمر "عامر" وقت أن توفى 21 عامًا تقريبًا، كان ذلك قبل ثلاثة سنوات.. ثلاث سنوات وجرحي فيه لم يندمل بعد.. ثلاث سنوات وأنا أعيش على ذكراه التي تلاحقني في أدق التفاصيل.

مصير أخويه

مما عرفته عن أسرة "عامر" بعد وفاته، أن جيش النظام أخذ أخويه أيضًا، لكنّ واحدًا منهما انشق عن القوات النظامية والتحق بصفوف الجيش الحر أو ما يسمى بـ "المعارضة المسلحة" ويعمل الآن في إدلب. فصار الإخوة واحد يقاتل في صفوف النظام، والثاني يقاتل في صفوف المعارضة، والثالث (عامر) استشهد وهو مرغم على العمل لدى النظام وقد كان يرفض أن ينضوي تحت أي جيش لإيمانه الخاص بمسؤولية الطرفين عن تفاقم الأزمة ومعاناة الناس.

لا استطيع أن أصف حجم الحزن الذي أعيشه منذ أن فارق "عامر".. لقد كان أغلى لدي من أهلي وإخوتي.. لازالت أذكر آخر مرة التقطنا الصور التذكارية معًا، كنا في منزله أو بالأحرى في مهربة خلال العام الذي مكثه في المنزل، قمت بتصوير فيديو له وهو يجهز لنا "وجبة العشاء"، قال لي: "لا تصور، المقطع مو ظابط"، فقلت له: "خليها ذكرى نتذكرها بعدين ونضحك".. وقد صارت ذكرى للأبد بعد أن مات عامر.

 

(القصة التالية: بطلٌ لا يهاب الموت.. وداعًا يا "علي")

ـــــــــــــ

*الأبيات من قصيدة "إلى اللقاء" للشاعر أحمد عبد المعطي حجازي.

-إبراهيم هو شاب سوري يبلغ من العمر 24 عامًا، يعيش في مدينة غازي عنتاب التركية، كانت له تجربة في العمل الإنساني في دعم عائلات ضحايا ومصابي الحرب، لكنها لم تستمر لعقبات قانونية واجهته. (يمكنك/ي الإطلاع على تفاصيل التجربة من هنا خلال هذين الرابطين: الرابط الأول/ الرابط الثاني)

-روى إبراهيم القصة لـ "أنا برس" بالمحكية السورية، وتمت صياغة القصة بالعربية الفصحى بنفس التفاصيل، مع ترك بعض التعبيرات العامية التي استخدمها لضرورتها التحريرية للتعبير عن الموقف الإنساني.

-تم التواصل مع "إبراهيم" عبر الـ "واتس آب" وأرسل لـ "أنا برس" تسجيلات صوتية بتفاصيل علاقته بصديقه، وتحفظ على نشر صور قديمة تجمعه وصديقه الراحل؛ خشية تعرض أهله داخل سوريا للخطر.

 

 




كلمات مفتاحية