المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

ديمة ونوس: أهرب من الواقع إلى الخيال لأنجو

 
   
11:00

http://anapress.net/a/147732251122748
797
مشاهدة


ديمة ونوس:  أهرب من الواقع إلى الخيال لأنجو

حجم الخط:

فيما جنحت جُلّ الأعمال الأدبية السورية عقب الثورة إلى التعبير عن تجليات الحدث السوري وتأثيراته، وتصوير المأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوري منذ ما يقرب من سبع سنوات،  لجأت رواية "الخائفون" للسورية ديمة ونّوس إلى تتبع جذور مشاعر الخوف التي ولدت ونمت في المدن السورية منذ عدة عقود إلى أن باتت لصيقة بالجسد السوري. 

"الخائفون" هي الرواية الثانية للكاتبة والروائية السورية ديمة ونّوس، الصادرة مؤخرًا عن دار الآداب، وسبق أن صدر للكاتبة مجموعة قصصية بعنوان "تفاصيل" عن دار المدى عام 2007، ورواية "كرسي" عن دار الآداب عام 2009.

تجنح ونّوس في روايتها "الخائفون" إلى تجسيد مشاعر الخوف لدى السوريين، ذلك الخوف الذي هو نتاج عقود من القمع والاستبداد. ثمة تركيز على سيكولوجيا الخوف لدى السوريين قبل الثورة وبعدها، وارتكاز على تجسيد مشاعر الخوف عبر شخصيات "سليمى، سلمى، نسيم" كشخصيات رئيسية..  البطل هنا في الرواية هو الخوف متجسدًا في عدد من الشخصيات تكاد تكون معبرة عن أكثر من جيل وساردة لتنوعات فكرية. من أين استقت ونّوس تفاصيل هذه المشاعر وتراكماتها؟ هل الأمر اعتمد على مخزون من تجارب شخوص واقعية فقط أم ثمة قراءات عن سيكولوجية الخائفين كانت مصدرًا لها في كتابة الرواية؟ تُبيّن ونوس أنها قرأت عن الخوف وعاشته واستمعت كثيراً لقصص أشخاص عاشوا حياتهم خائفين. من ثم فليس من الصعب الكتابة عن الخوف لمن ولد وعاش في سورية حتى انطلاق الثورة عام ٢٠١١.

حائط الخوف

توضح ونوّس أن الثورة السورية والحرب التي يخوضها النظام وحلفاؤه منذ ما يقارب سبع سنوات لم تكن هي محرّك الخوف لدى السوريين.  بل على العكس تمامًا كسرت الثورة حائط الخوف، ربما لم تقتلعه من جذوره، إلا أنها كسرته على الأقل. فاقتلاع الخوف ليس أمراً سهلاً. ثمة طبقات متراكمة من ذلك الإحساس بالهلع يتمدّد في أجساد السوريين، لصيقاً بأرواحهم. تراه أحياناً بين طبقة الجلد الرقيقة والمسامات. كيف يمكن إزاحة تلك التراكمات دفعة واحدة، بعد أكثر من أربعين عاماً!

كتبت عن خوف شريحة من السوريين قبل الثورة وليس بعدها. من جهة أخرى، جاءت الثورة كصدمة بالنسبة لكثيرين. من عاش وتعايش مع الخوف طوال العقود الماضية، لن يسهل عليه ابتلاع فكرة أن ذلك الإحساس المرير والمنهك، لم يعد من مبرّر له. يتحوّل الخوف حينها إلى أشكال أخرى مختلفة. الخوف السوري بات مرضاً مزمناً وليس شعوراً طارئاً. بات الخوف حالة مستقرّة ولصيقة بالروح كما ذكرت. لذلك ربما، نرى الكثيرين يحلمون بالعودة إلى ما قبل العام ٢٠١١! لأنهم اعتادوا الخوف، أدمنوه، شكّل بالنسبة إليهم حالة واهمة من الاستقرار.

شغلني موضوع الخوف بأشكاله المتبدّلة كحالة دفاعية تنبت من اللامنطق وفي اللاوعي. كنت أنا أيضاً ضحية للخوف في مرحلة من المراحل، وعشت في مواجهة نوبات هلع متلاحقة طوال سنوات. هلع يأتي بشكل مفاجئ، يشلّ المنطق والعقل، يبثّ الرعب في أوصال الجسد والروح، ولا أعرف سبباً واضحاً له! إنه تلك التراكمات الفظيعة لكائن ولد وعاش في "سورية الأسد". إنه الذاكرة البصرية والسمعية التي شكّلناها في مدننا السورية وكنّا شاهدين على انهيارها، وتدميرها والعبث بفرادتها وتحويلها إلى مستعمرات عسكرية وأمنية كئيبة وموحشة

شفافية اللاوعي

الاعتماد على الأحلام باعتبارها ركيزة لما يعتمل في اللاوعي عند الإنسان وإشارة إلى مخاوفه ورغباته، تقنية اعتمدتها ونّوس في روايتها للتعبير عن فكرتها عما يدور في العقل الباطن لدى شخصياتها المحاصرة بالخوف؛ الخوف حتى من الخوف نفسه.. تشير هنا ونّوس إلى أنها لم تعتمد على نظريات أو دراسات معيّنة فيما يخص الأحلام التي ساقتها عبر أحداث الرواية. إلا أنها تؤمن بالأحلام وبعلاقتها الوثيقة باللاوعي. تجذبها فكرة أن البعض يعتقد بإمكانية تحقق الأحلام. السوريون وغيرهم في المنطقة العربية، يلحقون الرغبة بالحديث عن الحلم بكلمة: “خير"، مفترضين بذلك أن الأحلام تتحقّق وبالتالي تأتي كلمة "خير" كرغبة بأن يكون الحلم جميلاً وليس كابوساً. هذا ربما ما جعلهم يعتقدون أن الموت في الحلم حياة لبث الاطمئنان في النفس. واعتقاد أن رؤية الدم سائلاً في الحلم، يفسد إمكانية تحققه، جميلاً كان أم محزناً. كل تلك الاعتقادات، تعلي شأن اللاوعي. تجعله مسيطراً على الوعي! وفي ذلك شيء من الصحة. لأن اللاوعي أصدق، أكثر شفافية، أوضح، يعبّر عنّا أكثر، حتى وإن كان شريراً أو قاسياً. أرى أن الأحلام حياة موازية لحياتنا. نعيش حياتين، واحدة في اليقظة وأخرى في النوم.

اختبار الخوف

اعتمدت ونّوس في "الخائفون" على تقنية رواية داخل رواية لكن الرواية الثانية عن سلمى "أوراق نسيم" غير مكتملة..  لماذا جاءت الرواية الثانية التي كتبها نسيم غير مكتملة؟ هل أرادت من خلال تعدد الشخصيات والروايات التعبير عن تشابه الشخصيات في هواجسها ومخاوفها وإن اختلفت تفاصيل حياتهم؟

توضح ونّوس أن الرواية الثانية غير مكتملة لأن كاتبها "نسيم"أرادها غير مكتملة، أو أن نهايتها ضاعت في الطريق بينه وبين سليمى. الخوف يجمع بين كل الشخصيات. نسيم يكتب عن خوف سلمى، وسليمى تكتب عن خوف نسيم وخوفها وربما، سلمى هي من كتبت عن كل تلك المخاوف مجتمعة. لا بد لمن يكتب عن الخوف أن يعيشه. إن لم يكن قد عاشه قبل أن يكتب عنه، فسيختبره أثناء الكتابة.

عنصر الخيال

وسط هذا الفيض من أحداث الثورة والحرب والدمار، تُنحي الكاتبة التوثيق والحدث ليأتي على هامش الرواية دون أن تبرز له المساحة الأكبر. هذا الاختيار على أهميته ليس سهلًا خصوصًا مع تلاحق الأحداث وتأثيرها على مصائر السوريين.. تلفت هنا ونّوس إلى أنه بعد الثورة صدرت العديد من الروايات التوثيقية وهذا أمر مهم للغاية. الرواية هي التاريخ. إلا أنها لم تكن قادرة على التوثيق بسبب خروجها المبكّر من دمشق في شهر آب من العام ٢٠١١.  تقول: التوثيق يفقد الرواية عنصر الخيال. وأنا أهرب من الواقع إلى ذلك الخيال، أحتمي به لأستطيع التنفّس، لأنجو. ولمّا كان الابتعاد عن الثورة السورية أمراً مستحيلاً بالنسبة إلي، اخترت موضوع الخوف. أردت الاشتغال على ما هو أبعد من الحدث اليومي والغوص في البعد النفسي وفي ذلك العالم الداخلي المعقّد.

الغور في الأبعاد النفسية لشخصيات رواية "الخائفون" والاستنطاق القاسي للذاكرة والتاريخ والواقع يشي بأن وقت الكتابة لدى ونّوس كان طقسًا استثنائيًا من المعاناة. تؤكد ونّوس على صحة هذا الظن بقولها: "لم تكن كتابة "الخائفون" سهلة. مع أنني لا أجد متعة في الحياة تلامس ولو بأطراف أصابعها، متعة الكتابة. إلا أن هذه الرواية، أتعبتني. استحضار الذاكرة مرهق، والكتابة عن الخوف يجبرك على عيشه مرتين. مرة لدى اختباره ومرة أخرى لدى الكتابة عنه. كنت أصاب بنوبات الهلع وأنا أكتب عنها. ويؤلمني جسدي وأنا جالسة أمام الطاولة أكتب عن سليمى تدفن ورقة نعوتها ثم تحلم بأنها تلك الورقة ممدّدة تحت التراب. إلا أن الكتابة تنطوي أيضاً على علاج. تساعد في التحرّر من ذاكرة معينة. تمنحين نتفاً من روحك للكلمات وللشخصيات فتعيشين تجارب جديدة وتقفزين إلى عوالم أخرى يصنعها خيالك للرواية ولك أيضاً".

ذاكرة الكاتب

في بعض القراءات للرواية، ثمة إصرار على الاستنقاء ومحاولات البحث عن السيرة الذاتية لونّوس ووالدها سعدالله ونوس إلى حد اعتبار بعضهم الرواية سيرية بشكل ما. تلفت ونّوس إلى أنها لا تنزعج مما يكتب أو يقال عن الرواية، ما إن تنشر الرواية حتى يفقدها الكاتب. فكل رواية تحمل سيرة صاحبها بشكل أو بآخر، مهما حاول الكاتب الانفصال عن روايته وشخصياتها وأماكنها، لا بدّ للذاكرة أن تتسرّب ببطء إلى ذلك العالم المتخيّل. كل رواية تحمل جزءاً من صاحبها ومن ذاكرته عن أشخاص عاش معهم وبينهم، عن أماكن زارها أو حلم بها وماتزال تضاريسها حاضرة في ذهنه كأنها واقع وليس حلم.

تلفت ونّوس في ختام حديثها إلى فرحتها بوصول رواية "الخائفون" إلى القائمة القصيرة لـ"البوكر". لكنها لا تظن أن ثمة روائيين يكتبون وفق معايير تليق بلجان التحكيم،  فهذا ليس تصوّرا واقعياً، وحتى لو افترضنا أن ذلك صحيح، فعلى الكاتب أن يكون عرّافاً بهذا المعنى ومتنبّئاً ليحاكي ذائقة لجنة تحكيم تتألّف من أشخاص عديدين! قد تكون بعض الجوائز مسيّسة، بمعنى أنها لا تمنح لكاتب يخالف توجّهات البلد الذي يرعى الجائزة هذه أو تلك. لكن من الصعب استقراء ذائقة لجنة التحكيم والكتابة بما يحلو لها! قد أوافق على أن البعض يكتب رواية يعرف مسبقاً أنها ستكون ضمن لائحة الأكثر قراءة. هذا منطقي وواقعي ومن الممكن الاستجابة له أثناء الكتابة، بخلاف موضوع الجوائز.

بالتعاون مع صحيفة العرب اللندنية.