المزيد  
واشنطن تؤكد استعدادها لدعم تركيا فيما يخص إدلب
ميلشيا الحشد الشعبي العراقي يرسل مقاتليه إلى خطوط الجبهة في إدلب
عميد كلية الطب بدمشق: أكثر من 150 ألف حالة إصابة بـ "كورونا" في دمشق وحدها
بينهم قتلى من الحرس الثوري.. غارات على مواقع للميليشيات الإيرانية بدير الزور
ميشيل عون: وجود السوريين في لبنان "عبئاً كبيراً" .. ونطلب مساعدة "الهجرة الدولية" لإعادتهم
آلاف العناصر من "داعش" لا يزالون يتحركون بحرية تامة بين سوريا والعراق
مشافي حلب تعاني من نفاد أكياس الجثث بسبب فيروس "كورونا"
وفد المعارضة لـ "أنا برس": تم إلغاء أعمال اللجنة الدستورية بسبب اكتشاف 3 حالات بـ "كورونا"

"سقوط العالم الإسلامي".. نظرة حامد عبدالصمد لمستقبل العالم العربي

 
   
11:04

http://anapress.net/a/115555424328154
3039
مشاهدة


"سقوط العالم الإسلامي".. نظرة حامد عبدالصمد لمستقبل العالم العربي

حجم الخط:

رغم أن كتاب "سقوط العالم الإسلامي.. نظرة في مستقبل أمة تحتضر" للكاتب المصري الألماني حامد عبدالصمد صدر قبيل الثورات العربية بعام أو أقل، إلا أن القراءة التي قُدِمت فيه لازالت صالحة للنظر في أحوال العالم العربي الراهنة وتوجهات الحركات الإصلاحية التي لازالت تعاني من الإخفاقات ذاتها، متعثرة على صخرات مشكلات يقرر الكاتب في نهاية كتابه بأنها ستودي بالعالم العربي إلى الهاوية. ينبئ عنوان الكتاب بأن ثمة دراسة جادة منهجية لأحوال العالم العربي وأصول مشكلاته المزمنة، غير أن ما يطالعه القارئ في المؤلَف لن يتعدى مجموعة من مقالات تحمل عددًا من الأفكار على قدر من الأهمية وإن كانت تفتقد لكثير من التحليل المنهجي والتراتبات المنطقية.

يرصد حامد عبدالصمد في كتابه مآلات الأوضاع في البلدان الإسلامية وتأثر طرق التعاطي مع الدين في البلدان العربية على علاقة العرب بالحداثة؛ ففي المقال الأول داخل الكتاب بعنوان "الشرق يحترق" يوازن الكاتب ما بين رؤية الفيلسوف والمؤرخ الألماني أوزفالد شبنجلر في كتابه "سقوط الغرب" الصادر عام 1918 ورؤيته للأوضاع في العالم العربي؛ ففي حين يسرد شبنجلر الأسباب التي يرى أنها ستؤدي إلى انهيار الحضارة الغربية، فإن وصفه لشيخوخة المدنية الأوروبية يكاد ينطبق على العالم الإسلامي من حيث سقوطها كحضارة في غياهب المادية والعنف.

 يرى عبدالصمد أن البلدان العربية لم تنجح في بناء فهم جيد للحداثة أو تطبيقها بشكل واع

كما أن رؤيته لسقوط الحضارات كسنة من سنن الحياة باعتبارها أشبه بزهرة نبتت وتفتحت ثم تتهالك هو أقرب لتشبيه ابن خلدون للحضارة ككائن حي يمر بمراحل الولادة والشباب والشيخوخة وهي مراحل مرت ببها الحضارت بدءا من  الفراعنة والسومريين مرورا بالإغريق والرومان وانتهاء بالدولة العثمانية، فضلًا عن أن وصف شبنجلر المرحلة الأخيرة من الحضارة بالجمود في كل مجالات الحياة وفي فقدان الناس وعيهم بالتاريخ وانتشار الفوضى الفكرية واختفاء الفن الحقيقي وسيادة التسلية الرخيصة يتجلى واضحاً في المجتمعات العربية خلال الفترة الأخيرة.

يرى عبدالصمد أن البلدان العربية لم تنجح في بناء فهم جيد للحداثة أو تطبيقها بشكل واع؛ ففي حين بنيت الحداثة على خمسة أعمدة: العلم والإنتاج والاستهلاك والقوة العسكرية وأفكار حركات التنوير الأوروبية، فإن معظم البلدان الإسلامية استعارت فقط مبدأي التسليح والاستهلاك، وأهملت ما تبقى فتهالكت وشاخت وصارت لا تقدم للبشرية شيئاً يذكر. ومن ثم فلا يمكن أن توجز مشكلة العالم العربي في الصراع ما بين التراث والحداثة ولكنها حالة احتضار للثقافة العربية والإسلامية التي لم تعد قادرة على طرح إجابات لأسئلة العصر، كما أن أفكار الإصلاح كانت دومًا ما تنتهي أمام أسوار السلفية المنيعة أو تتحطم على صخرة السلطة المتعجرفة.  

من ثم يرى الكاتب بأن الإصلاح الحقيقي لن يأتي إلا إذا اتفقنا على أنه لا توجد محرمات أو ثوابت في الفكر ولا آلهة على الأرض، فكل شيء يمكن وضعه في ميزان النقد والعقل، وأسئلة الإصلاح الديني يجب ألا تبدأ دائما من نص القرآن وتنتهي عنده بل عليها أن تصل إلى خطاب ما بعد القرآن حتى لا يتم تحميل القرآن ما لا يحتمله من قِبل الأطراف كافة. (اقرأ أيضًا: "المثقفون العرب والتراث".. قراءة جورج طرابيشي الاستثنائية).

يحلل عبد الصمد في مقاله "ديناميت اسمه التاريخ" علاقة العرب بالتاريخ من خلال إعادة للنظر في كتب التاريخ التي يتم تدريسها في المرحلة الثانوية من التعليم ليكشف من خلالها عن تناقضات الأمة الإسلامية المعاصرة التي تُمعن النظر إلى الذات ككيان كامل وعظيم ويتم تصوير الآخرين كعدوانيين ولا أخلاقيين. يُشبِّه الكاتب كتب التاريخ بقصيدة عربية قديمة تبدأ بالبكاء على الأطلال، مُبينًا أن نظرة على كتب التاريخ التي يجرى تدريسها في البلدان العربية تُبيّن أن هذه المؤلفات جاءت لتعالج عظمة العرب والحديث عن الأخطار التي هددت الحضارة الإسلامية من حروب واستعمار، تؤسس رؤية مفادها أن الآخرين هم السبب دومًا؛ الغرب هو الشيطان الأكبر، ومن ثم يجرى التركيز على خطايا الغرب لا خطايانا كعرب طوال مسيرتنا التاريخية. ومن ثم فإن الكتاب المدرسي يمثل مؤشرا واضحا لحالة الفكر في المجتمعات العربية.

يرى عبدالصمد أن العرب باتوا أقرب إلى سُكّان كهف أفلاطون في كتابه "السياسة"، فهم مجموعة من البشر محبوسون في كهف ومقيدون بقيود أمام حائط الكهف ولا يرون إلا ظلالهم، هم في عزلة عن باقي العالم منذ قرون، وحينما جاءت الحملة الفرنسية وصدمتهم بأنهم ليسوا "خير أمة أخرجت للناس" كما توهموا طويلًا في كهوفهم لم يوقظهم ذلك من سباتهم الطويل، ولكنها جعلتهم يلجأون للصراخ وعكرت عليهم صفو حياتهم إلى الآن. كان لحياة الكهوف تأثيرًا كبيرًا على العرب؛ إذ ولّدت فيهم تعظيم الذات والبارانويا والقلق من كل ما هو غريب أو جديد، وباتوا  ينظرون إلى أي نقد خارجي على أنه إعلان حرب ولكل نقد داخلي على أنه خيانة أو كفر، كما أن  المصلحين الذين ثاروا على ظلال الكهف لم يصمدوا طويلا بعد مجابهتهمم وعادوا ولبسوا الأغلال بأنفسهم وبدأوا النظر في ظلالهم.

وفي مقال آخر بعنوان "الوداع الطويل للحضارة الإسلامية" يرى عبدالصمد أن  التحالفات الخاطئة وعواقبها الوخيمة هي قصة العالم العربي المعاصر؛ تحالف الانجليز مع آل سعود وتحالف عبدالناصر مع الإخوان ثم تحالف السادات معهم لضرب الناصرييين ثم تعاون الأمريكان مع شاه إيران ثم مع صدام وبن لادن، والآن تحالف الغرب مع الأنظمة العربية المستبدة،  كل ذلك يعرقل أي محاولة للإصلاح ومع ذلك فالسبب الأساسي للأزمة هو حالة الفكر التي تسيطر على مجتمعاتنا وعدم القدرة على خلق عملية طويلة المدى من الإصلاح الداخلي والتخطيط السليم.

يشير الكاتب إلى أن التزمت الفكري في العالم العربي هو نتاج فشل كل محاولات التحديث التي لم تجلب الديمقراطية والرخاء للناس، فضلًا عن عدم تنقية الفكر الإسلامي من الأصولية وعبادة النص؛ فكل محاولة إصلاح فكري أو ثقافي كانت فردية ولكن هذه المحاولات كانت أضعف من أن تواجه الأصولية العنيدة، وبالرغم من أن الاستعمار كان له دور في عرقلة العمليات الإصلاحية لكن الأساس يكمن في نظرة المسلمين إلى أنفسهم واحساسهم بالضعف وقلة الحيلة.

ورغم أن الإسلام السياسي كان دائما قادرا على توفير حيز للهروب إلى الخلف، إلى تاريخ خيالي لأمة إسلامية خالية من العيوب إلا أنه لم يقدم أبدا حلولا للأمام،  فقد ظل صوتا معارضا ولكن عندما آلت إليه السلطة انتهى الأمر بكارثة مثل أفغانستان والصومال ونيجريا والسودان، ومهما مر العالم الإسلامي بمراحل الانفتاح والتنوير فإن العودة للأسلمة كانت دائما بديلا مطروحا بصفة دائمة. وربما ما ذكره هنا عبدالصمد  قبل قيام الثورات العربية قد تحقق فعلًا بنتائجه الكارثية في عدد من البلدان العربية بعد الثورات.

يرصد عبدالصمد عددًا من ظواهر التخلف في المجتمعات العربية، ومنها مسألة ختان الإناث

يرصد عبدالصمد عددًا من ظواهر التخلف في المجتمعات العربية، ومنها مسألة ختان الإناث، التي رغم عواقبها الجسدية والنفسية الوخيمة وفق ما يقرره الطب، وكونها مجرد عادة قبلية متوارثة، إلا أن تصديرها كجزء من الدين الإسلامي جراء خطابات لقادة دين متطرفين يمحو كل ما قيل من قبل الطب أو التاريخ ويجعلها مستمرة لدى بعض الأسر العربية.

مظهر آخر يرصده عبدالصمد من مظاهر التردي العربي يتجلي في علو نبرة الغضب كسلاح وحيد في أيدي العرب للرد على أي نقد لهم من قبل الغرب، فبعد أن خسرنا سباق العلم والتسليح ضد الغرب لم يتبق سوى إعلان الغضب بقوة في كل مناسبة ممكنة، وهو ما تجلّى في أزمة الرسوم الدنماريكة المسيئة للرسول، وكأن العداء مع الغرب بات عادة وفعل مازوخي مُشبع للنفسية العربية في ظل عزلتهم التي فرضت عليهم المزيد من القيود وسوء الظن بالآخر.كما يحلل الكاتب القيود التي لا تزال مفروضة على المرأة العربية وعلى جسدها الذي ينظر إليه كضامن للشرف والرجولة، ومن ثم يتم تبرير الكثير من الجرائم من منطلق كونها دفاع عن الشرف، فلم ينظر العربي للمرأة عبر التاريخ على أنها بشر في المقام الأول ولكن كحامل للشرف، وكان هذا سبباً في اختراع أساليب لترويضها أو تخويفها.

يختم المؤلف كتابه بأن العرب في حاجة إلى خطاب ما بعد القرآن، خصوصًا مع تزايد حالة الهوس بنصوص القرآن؛ فالإرهابي يبرر أعماله بالقرآن، ومن ينتقد الإرهاب يرد بالقرآن، ومن يريد أن يصلح أحوال المسلمين يستشهد بالقرآن، وكل ذلك يحمل القرآن فوق طاقته. فهو كتاب عقيدة وليس دستوراً أو قانوناً، وإن كان القرآن قد أجاب على أسئلة الحياة اليومية في زمن الرسول إلا أنه غير قادر على إعطاء إجابات لكل أسئلة العصر الذي نعيش فيه. فثمة قانونان يحكمان الطبيعة منذ بداية العلم: المرونة والتنوع، وكل من يخالف هذين القانونين ينتهي به المطاف إلى الفناء، والعالم الإسلامي عاند هذين القانونين طويلا فاستحق الفناء وهو ما يثبت نبوءة سقوط العالم الإسلامي.